عندما يصبح الحب… وهماً
من يحب عن طريق «الشات» لا يعرف من يحب، حتى وإن كان بنية الزواج،… صحيح أنه في كل يوم يكتب بالساعات الطويلة جملاً رومانسية، ويحكي عما يحصل له، وربما يمكنه أن يسمع الطرف الآخر ويشاهده عن طريق الـ «Web camera» لكن هذا ليس كافياً…
إذ لا يمكن أن يُختزل الإنسان بصورة وكلمات في رسائل… فالإنسان سلوك وعادات وتفاصيل حياة يومية، هي التي تحدد هوية كل شخص…
أحمد… تعرف على فتاة عن طريق المحادثة، واتفقا في أمور كثيرة، حتى باتت مشروعه المستقبلي لحياة سعيدة… سافر إليها… وتعرف على أهلها… وتمت الخطوبة سريعاً، على اعتبار أن فترة طويلة مرت، وتعارفا خلالها كل واحد على الآخر…. ولكن الأمور لم تكن على ما يرام… فالفتاة … صعبة المزاج، لا تحمل الود لمن حولها… علاقتها بأهلها لا تتسم بالاحترام والتفاهم… وأبدت نظرة مادية للأمور، فما يهمها هو نوع السيارة التي سيهديها إليها الخطيب، ورصيده في البنك، وأوامر ونواهٍ تمليها عليه في كل لحظة…
تنبه الشاب لهذه الأمور، وأن كل ما كان يدور بينهما ما هو إلا وهم لا حقيقة له… فما كان منه إلا أن وضع حداً لهذا الارتباط قبل أن يسبق السيف العذل…
ضربة حظ
تؤكد الابحاث أن مواقع الزواج على الانترنيت أو مواقع التعارف، قد تساعد في التقاء الشريكين، لكن دورها لا يرتقي لمستوى الزواج الحقيقي والاستمرار المتسم بتوفر المصداقية والجدية، فالزواج التقليدي قد تتوفر فيه مقومات الاستقرار والاستمرارية لقيامه على أسس ومواصفات معروفة مسبقاً لدى الطرفين. بينما الزواج عن طريق الانترنيت في رأي بعضهم يخضع لمقاييس شكلية، بعيدة كل البعد عن الأسس السليمة المطلوبة للزواج المستقبلي الناجح… ولكن مع ذلك قد يحالف الحظ بعض هذه التجارب ربما لتوفر عنصر الصدق بين الطرفين، فسوزان تحكي قصتها بكثير من الجدية والقناعة… فتقول: أحببت أن أتزوج بطريقة غير اعتيادية، وسعيت لذلك وتعرفت على أشخاص كثر عن طريق الانترنيت، من دول عربية وأجنبية، حتى لفتني أحدهم بمقومات رائعة من الثقافة والموقع الاجتماعي، فتمسكت به، وبدت المحادثات بيننا جادة، إلى أن جاء إلى سورية وهو ايطالي الجنسية، وتم الزواج وأنا الآن في غاية السعادة، فهو شاب جاد يقدر الحياة العائلية، ويسعى دائماً إلى أن يكون ذلك الشاب الذي وثقت به، وأقول عن تجربتي أنها ممتعة، لا شك أن الصدق الذي ساد بيننا هو من جعل هذه العلاقة تستمر لتنتهي بزواج سعيد…
لكن الأمر مختلف تماماً بالنسبة لسعاد، فهي لا تؤمن بهذه الفكرة وتقول: لا يمكن أن أحكم على الشخص دون أن أراه مباشرة، فربما يكون كثير العيوب التي لا يمكنني كشفها، فالكلام والمعرفة المباشرة تساعد المرء على كشف عيوب وخفايا الآخر… وخصوصاً أن الكثير من الشباب في مجتمعاتنا يستخدمون الانترنيت للإساءة والتسلية بمشاعر الآخرين وقلائل هم الذين يرغبون ببناء علاقة جدية، ورأيي هذا نابع من تجربة خضتها بنفسي لكنها فاشلة، لذا لن أكرر هذا الأمر ثانية…
وتشاطرها لميس الرأي بالقول: أنا لاأفضّل هذه الطريقة، فهي غير جادة، والحب لا يأتي بهذه البساطة، أي عن طريق الكتابة، ففي كثير من الأحيان نقابل أشخاصاً وجهاً لوجه، ونعجب بهم، لنكتشف بعد ذلك عكس ما توقعناه… فكيف بأشخاص نتعرف عليهم عن طريق الكتابة…
فأنا مثلاً لا يمكن أن أرشح اسمي في مواقع الزواج، ولا أشعر أني بحاجة لهذا الأمر…
فقط يمكن أن أتحدث مع شخص لأكتسب معلومات جديدة ونصائح مفيدة لا أكثر، بحيث تبقى العلاقة على هذا المستوى، فأنا لا أطوّر هذا الاتصال بل أحدّ منه ليبقى في إطار محدد، فبعد خروجي من «الشات» أنسى كل ما جرى من أحاديث لأعاود حياتي الاعتيادية وأعتبر أن الأحاديث التي حصلت إنما هي تبادل آراء وأفكار لا أكثر…
المجتمع الشرقي يحكمنا
سامر، طالب في كلية العلوم، يرفض فكرة العلاقة عن طريق الانترنيت ويقول: المجتمع الشرقي تناسبه هذه الطريقة، وأنا أفضّل الفتاة التي أعرف عنها كل شيء، حسبها، نسبها، صفاتها بالكامل، فهذا يهمني كشاب شرقي، وربما الانترنيت هو حل لبعض الشباب الذين يرغبون بالتميز ويحاولون الخروج من سلطة العادات والتقاليد الشرقية، مع العلم أن الكثيرين ممن يبحثون عن الحب على الانترنيت تعرضوا لخيبات أمل، إما بسبب هؤلاء العابثين بمشاعر الآخرين، أو بسبب الموقع الذي يتواصلون من خلاله…
أما محمد 24 سنة، فلا يفضل البحث عن شريكة حياته عن طريق الانترنيت ويقول:
هذه القضية حساسة، فإذا ما حصل والتقيت بفتاة ما مصادفة عن طريق الانترنيت وأعجبت بكلامها وطريقة تفكيرها، يمكن حينها أن أطور هذه العلاقة لألتقي بها فيما بعد… وعندها… لكل حادث حديث… ولكن لا يمكن الاعتماد عليه في البحث عن شريكة حياتي…
وللاختصاصيين التربويين… رأيهم
الدكتور أحمد الأصفر، المدرس في كلية التربية يرى أن الزواج عبر الانترنيت هو وسيلة حديثة للتواصل الاجتماعي بين الناس، ولكن النتائج المترتبة عليه من حيث استمرارية الزواج أو فشله غير مرتبطة بهذه الوسيلة بحد ذاتها، بل بعوامل أخرى من مثل خصائص الزوجين، اتجاهاتهما، أفكارهما، تصوراتهما للزواج أو الأسرة والدور المنوط بكل منهما، فإذا توافقت هذه العناصر يمكن أن يكون التواصل عبر الانترنيت ناجحاً لتوفر مقوماته، أما في حال عدم التوافق، فلا شك سيكون الفشل هو نهاية هذه العلاقة…
وباختصار… الانترنيت هو وسيلة للتعارف وليس أكثر، ولا يمكن أن نحمّله فشل أو نجاح تجربة الزواج… ولكن يمكن القول إن فرص التلاعب بالمشاعر والأحاسيس في الانترنيت تكون أكبر، وخصوصاً عندما يدخل إلى الموقع أناس بأشكال وأسماء غير حقيقية، وبمشاعر أيضاً مزيفة…
هذا إلى جانب وجود مواقع للانترنيت تقوم بلقاءات عاطفية كاذبة مع المشتركين، لتشجيع قراء الموقع على الاشتراك في خدمته… عن طريق إرسال خطابات عاطفية مزيفة بالبريد الالكتروني… ومواقع أخرى ترصد من أجلها أموال طائلة، لغزو عقول الشباب وإدخالهم في ترهات لا طائل منها، غير إضاعة الوقت والمال، وربما العقل أحياناً… عندما يصاب بعضهم بخيبات أمل، أو يتعرضون لخيانات غير متوقعة…
دعوة للمصالحة
لكل مستخدمي الانترنيت دعوة لنتصالح مع أنفسنا ونكون صادقين مع ذواتنا، ومع من نتعامل…
فكم من قلوب تألمت إثر خيانة أو غدر جاءا من باب التسلية واللهو، مع أننا بالصدق والمسؤولية نستطيع أن نجعل عالم الانترنيت «هذا العالم الواسع» حياة جميلة ومصدراً للعلم والتعارف والحب